ثيمة منتدى فلسطين للنشاط الرقمي 2021
مع بدء جائحة الكورونا، لم يعد الاتصال بالإنترنت وسيلة رفاهية كما عهدناه من قبل، بل تحول الإنترنت والعالم الرقمي إلى ضرورة لكل مناحي الحياة، حيث ارتبطت به جميع الأنشطة الحياتية اليومية تقريبا، من التجارة والتعليم والرعاية الصحية، والسياسة والتواصل الاجتماعي، وقد حمل هذا التغير في طياته تدهورا في المجالات الحقوقية وعلى وجه الأخص الحقوقية الرقمية كنتيحة لتصاعد استخدام الانترنت والفضاء الرقمي، ما ساهم في توسيع أزمة الديمقراطية والحريات في جميع أنحاء العالم وزيادة تقليص مساحات الحريات عالميا وفلسطينيا.
استغلت الكثير من الجهات الحكومية وغير الحكومية في العديد من البلدان ظروف الجائحة وزيادة الارتباط بالعالم الرقمي ودخوله في كل مناحي الحياة كفرصة لفرض وتوسيع تدخلها في تشكيل سرديات الانترنت من خلال فرض الرقابة على الخطاب النقدي والمغاير، وبناء وتطوير أنظمة تكنولوجية للرقابة الجماعية وجمع وتحليل بيانات الأفراد الأكثر خصوصية دون حماية كافية ضد الانتهاكات وغيرها من الأدوات القمعية الأخرى التي بادرت إليها هذه الجهات.
وبشكل أساسي لقد تغير شكل العالم الافتراضي والحقوق والحريات المتعلقة به خلال هذا العام أكثر من عقد كامل ماضي، حيث بررت السلطات استخدام تقنيات تجسس ومراقبة وتتبع كان تصنف دوما على أنها انتهاكا للحقوق والحريات الرقمية، وعملت هذه السلطات على جمع معلومات بشكل أكبر دون ردع يذكر، عدا عن حجب السلطات للكثير من المعلومات بذريعة حماية الصحة والأمن العام وإتاحة معلومات أخرى يفترض أن تكون خاصة كالمعلومات الطبية والصحية للأفراد، إضافة إلى توسع انتشار الأخبار المضللة من جهات مختلفة ما استدعى جهودا إضافية في محاربة هذه الأخبار.
بالرغم من كل التحديات التي تسببت بها الجائحة، إلا أنها فتحت أفقا جديدا أمام العمل عن بعد للشركات والمؤسسات وسرعت فرص تطور الاقتصاد الرقمي، فقد حولت أغلب المؤسسات والشركات العالمية والمحلية عملها لنظام العمل عن بعد، كما بادر العديد من الرياديين والمبادرين إلى بناء منصات وفرص للتجارة الرقمية وتوسيع فرص الاقتصاد الرقمي. إن هذا التحول في الحياة المهنية والاقتصادية، يتطلب مواءمة بناء قدرات هذه المؤسسات والشركات لتسهيل الحفاظ على فاعلية العمل عن بعد وضمان استمرار سيرورة العمل بفاعلية وإنتاجية موازية لما كان عليه الوضع قبل الجائحة، مع مراعاة سبل الأمان الرقمي.
على الصعيد الفلسطيني تصاعدت الانتهاكات بشكل مكثف خلال فترة الجائحة، خصوصا في ظل الواقع المركب الذي يعيشه الفلسطينيين، بسبب وجود الاحتلال والانقسام، عدا عن المساعي الممنهجة التي تقوم بها سلطات الاحتلال لمراقبة الفضاء الرقمي الفلسطيني والتضييق عليه، ما يستدعي جهودا إضافية لمواجهة هذه التحديات، أضف إلى ذلك الانتهاكات التي ترتكبها الشركات التكنولوجية ضد الحقوق الرقمية الفلسطينية سواء من خلال سياسات إدارة المحتوى، أو بعدم فرض الرقابة الكافية والعادلة على انتشار المحتوى التحريضي ضد الفلسطينيين وصولا إلى جهود اللوبي الإسرائيلي لفرض رقابة وتضييق على كل ما من شأنه انتقاد إسرائيل، والتي كان آخرها جهود IHRA لإعادة تعريف اللاسامية وفرض التعريف الجديد على شركات التواصل الاجتماعي.
من هنا، يتناول منتدى فلسطين للنشاط الرقمي بنسخته الخامسة والرقمية لهذا العام مواضيع “الحقوق الرقمية الفلسطينية خلال جائحة الكورونا وما بعدها” في محاولة لاستثمار المنتدى كمنصة لنقاش تحديات الحقوق الرقمية والفرص التي فتحتها والفرص المحتملة أيضا. حيث يوفر منتدى فلسطين الخامس للنشاط الرقمي منصة لمشاركة الخبرات والمعرفة والمهارات اللازمة بين النشطاء والفنيين والأكاديميين والحقوقيين والإعلاميين والعاملين في هذا المجال على الصعيد المحلي، والإقليمي والدولي، لنقاش مواضيع وقضايا تتعلق بالحقوق الرقمية كالنشاط الرقمي في زمن الكورونا، ومحاربة الأخبار الكاذبة والمضللة وتأثير جائحة الكورونا على تقنيات التجسس والمراقبة والتتبع، كما سيتطرق المنتدى إلى تأثيرات الجائحة على الحياة المهنية والاقتصادية وأسلوب العمل، إضافة إلى مواضيع الوصول للمعلومات وحماية البيانات والخصوصية وبشكل خاص البيانات الطبية والصحية في زمن الجائحة.
أظهرت الجائحة الحاجة لتكثيف التعاون والترابط بين المؤسسات والمختصين العاملين في هذا المجال لضمان إيجاد تنسيق فعال بين صانعي السياسات من الحكومات والشركات مع المجتمع المدني المحلي والدولي، ولهذا فإن منتدى فلسطين للنشاط الرقمي يعمل كمنصة تجمع أطراف المجتمع المدني المختلفة مع الحكومات والشركات العملاقة بالإضافة إلى الأفراد العاملين في المجالات ذات العلاقة لنقاش السياسات الرقمية التي تؤثر على الحقوق الرقمية الفلسطينية، خصوصا خلال فترة الجائحة وما بعدها، ما يسهل تنسيق التعاون لمناصرة الحقوق الرقمية الفلسطينية على الصعيد المحلي والدولي.
سيعقد منتدى فلسطين للنشاط الرقمي 2021 في الأسبوع الثالث من شهر آذار وتحديدا بين 29 آذار و1 نيسان، تتنوع الفعاليات خلال أيام المنتدى بين جلسات، وورش عمل، ونقاشات طاولة مستديرة من أجل تبادل أطراف الحديث وتنسيق العمل لمناصرة الحقوق الرقمية الفلسطينية، وبناء قدرات النشطاء والعاملين في مجال الحقوق الرقمية في مواضيع مختلفة ومتعلقة بالمجال.